شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
إثبات النزول والمجيء لله تعالى
بعد ذلك ذكر مسألة أخرى، وهي مسألة النزول، ومسألة المجيء ، مسألة النزول يقول:
قد روى الثقات عن خير الملا | بأنـه عـز وجـل وعــلا |
فـي ثلـث الليل الأخير ينزل | يقول هل من تائب فيقبـــل |
هل من مسيء طالب للمغفرة | يجـد كريمـا قـابلا للمعذرة |
يمـن بـالخيرات والفضـائل | ويستر العيـب ويعطي السائل |
يقول أبو الخطاب اسم> في عقيدته:-
قالوا النزول فقلـت ناقله لنـا | قوم همو نقلوا شريعة أحمد اسم> |
قالوا فكـيف نزوله فـأجبتهم | لم ينقل التكييف لي في مسند |
روى الثقات: أي الأثبات، عن خير الورى: أي عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- الذي هو خير الملأ، بأنه -عز وجل وعلا- في ثلث الليل الأخير ينزل: نزولا يليق به، وقد كثر كلام الأشاعرة، والمعتزلة، والرافضة، والإباضية، ونحوهم حول هذا الحديث، ورفع سؤال إلى الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية اسم> أن رجلين اختلفا أثبت أحدهما النزول، والآخر أنكره، ومن حجة الذي أنكره يقول: إن الليل يختلف باختلاف البلاد؛ فيكون ثلث الليل هاهنا -في هذه البلدة- وبعد ساعة يبدأ ثلث الليل في البلدة التي قدامها، وبعد ساعة يبدأ ثلث الليل في بلدة أمامها، فلا يزال ثلث الليل موجودا، فمعنى ذلك أن النزول لا يزال مستمرا فكيف يكون هذا النزول؟
رفع السؤال إلى شيخ الإسلام؛ فكتب فيه رسالة مطبوعة عدة مرار ومحققة بعنوان شرح حديث النزول ، ابتدأها -رحمه الله- بالأدلة عليه، ذكر بعض الأحاديث وإن لم يستوف جميعها، ثم بعد ذلك تكلم على إجمال صفات الله، وأنه –سبحانه وتعالى- يوصف بما وصف به نفسه، وبما وصفه به نبيه -صلى الله عليه وسلم- لا يتجاوز القرآن والحديث، وإذا كان كذلك فإن هذا مما جاءت به السنة، ثم بعد ذلك ذكر أن صفاته لا تشبه الصفات، فإنه –سبحانه- لا يشغله شأن عن شأن، فهو ينزل كما يشاء ولا نقول، إن كيفية نزوله كذا وكذا؛ بل نثبت ما أثبته الله تعالى لنفسه، أو أثبته له نبيه - عليه الصلاة والسلام - ونترك ما خالف ذلك.
ثم ذكر أنه لا مانع من أن ينزل كما يشاء فيقول لهؤلاء: من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ من يتوب إلي فأتوب عليه؟ ويقوله للآخرين في وقت آخر، ولا نقول: إنه ينشغل بهؤلاء عن هؤلاء، فهو – سبحانه- لا يشغله شأن عن شأن، لا تغلطه كثرة المسائل، ولا تشتبه عليه الأصوات، ولا تغلطه كثرة المسائل مع اختلاف اللغات وتفنن المسئولات، وأطال في ذلك.
وتكلموا أيضا على حقيقة النزول، هل يخلو منه العرش؟ وهل تكون السماوات فوقه إذا نزل؟ كل هذا مما يتوقف أهل السنة، فيذكرون أن هذا نزول حقيقي -كما يشاء الله- ولا نقول: يخلو منه العرش، ولا نقول: إن السماوات تقله أو تظله أو ما أشبه ذلك.
فعلى هذا نثبت النزول كما يشاء، ولا نقول: إن كيفية النزول كذا وكذا، والذين ذكروا أن شيخ الإسلام يقول: إنه نزول كنزول الإنسان من أعلى إلى أسفل، خطأهم العلماء، ولم يقل ذلك شيخ الإسلام، وإن كذب عليه من كذب؛ فلا يلتفت إلى أقوالهم، بل إنه يثبت النزول، ويقول: إنه كما يشاء الله.
قد ذكرنا قول أبي الخطاب اسم> في قوله:
قالوا فكـيف نزوله فـأجبتهم | لم ينقل التكييف لي في مسند |
يمـن بـالخيرات والفضـائل | ويستر العيب ويعطي السائل |
بعد ذلك يقول:
وأنـه يجـيء يوم الفصــل | كما يشاء للقضــاء العدل |
الآية الأولى في سورة البقرة: رسم> هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ قرآن> رسم> .
والآية الثانية في سورة الأنعام: رسم> هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ قرآن> رسم> صريح في إثبات المجيء والإتيان.
الآية الثالثة في سورة الفجر: رسم> كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا قرآن> رسم> .
ثم جاء ذلك في عدة أحاديث، منها حديث الشفاعة، وأنهم يطلبون من الأنبياء الشفاعة حتى يجيء الله لفصل القضاء، وأن الملائكة ينزلون صفا صفا، ثم يجيء الله تعالى كما يشاء ليفصل بين عباده؛ فيكون مجيء الله على ما يشاء، كبر هذا على الأشاعرة، ونحوهم، يقولون: إن الله منزه عن المجيء والذهاب؛ لأن هذا من شأن المحدثات، والمركبات هكذا يعبرون، يعني أن المجيء والحركة والذهاب والمجيء والنزول ونحو ذلك، إنما هو ينطبق على المحدثات والله – تعالى- ليس بمحدث وعلى المركبات، التي تتركب من كذا وكذا، وهم مع ذلك ينكرون الصفات الذاتية؛ فينكرون صفة الوجه - مع الأدلة عليه - يقولون: إنه يلزم منه التركيب، وينكرون صفة اليدين - مع وجود الأدلة عليها- الأدلة الكثيرة الكتاب والسنة، مع صراحتها، ويقولون: إن هذا يلزم منه التركيب، فكذلك يقولون: المجيء والنزول يلزم منه أن يكون مركبا تعالى الله عن قولهم، هكذا يعبرون.
ثم يعبرون أيضا بقولهم: إنه يكون محلا للحوادث؛ فلا نقبل ذلك؛ لأنه إذا أثبتناه جعلنا الرب محل للحوادث -هكذا يعبرون- وقد عبر عنه من المتأخرين في ذلك عبارات كثيرة- الذي يسمى زاهد الكوثري اسم> -عالم عنده علم بالحديث، وعنده علم بالرجال، ولكن كان متعصبا للمعتقد الأشعري، وللمذهب الحنبلي، وكان أيضا يحمل على علماء سلف الأمة، معروف مات قبل نحو ستين أو سبعين سنة، ومؤلفاته وتحقيقاته وتحريفاته التي أفسد بها كثيرا من الكتب موجودة، فهكذا يعبر يقول: إذا أثبتت هذه الصفات كان ذلك دليلا على حدوث أو حلول الحوادث بالرب تعالى.
فنقول: لا يلزم من ذلك إذا أثبتنا الصفات، السمع والبصر؛ لأنك تثبت السمع والبصر والقدرة والإرادة، يعني يثبت السبع الصفات التي يثبتها الأشاعرة وينفي ما عداها؛ فعلى هذا لا يلزم ما قالوه من حلول الحوادث.
والحاصل أن صفة المجيء ثقلت عليهم؛ فكانوا يقدرون محذوفا رسم> وَجَاءَ رَبُّكَ قرآن> رسم> أي جاء أمره، وكذلك رسم> أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ قرآن> رسم> أي يأتي أمره -هكذا قالوا- استدل الكوثري اسم> على ذلك بالآية التي في سورة النحل: رسم> هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ قرآن> رسم> الآية فيها: رسم> أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ قرآن> رسم> فيقول: جاء في هذه الآية: رسم> يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ قرآن> رسم> فكذلك نحمل قوله: رسم> هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ قرآن> رسم> نقول: يأتي أمر الله، القرآن -كما يقول- يفسر بعضه بعضا، والجواب: أن آية النحل: رسم> أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ قرآن> رسم> يراد بها في الدنيا هل ينظرون إلا أن يأمر الله تعالى بعذابهم ويأتيهم أمر الله تعالى يأمر بإهلاكهم بكذا وكذا، والآية مكية تهديد للمكذبين من أهل مكة اسم> أن يأتيهم أمر الله، كما في قول الله تعالى: رسم> أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ قرآن> رسم> فلا منافاة كل واحدة من الآيتين لها معنى، فيكون مجيء الله في الآخرة كما يشاء.
مسألة>